الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله (باب استعارة الثياب للعروس وغيرها) أي وغير الثياب، ذكر فيه حديث عائشة أنها استعارت من أسماء قلادة، وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب التيمم، ووجه الاستدلال به من جهة المعنى الجامع بين القلادة وغيرها من أنواع الملبوس الذي يتزين به للزوج أعم من أن يكون عند العرس أو بعده، وقد تقدم في كتاب الهبة لعائشة حديث أخص من هذا وهو قولها " كان لي منهن - أي من الدروع القطنية - درع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كانت امرأة تقين بالمدينة - أي تتزين - إلا أرسلت إلى تستعيره " وترجم عليه " الاستعارة للعرس عند البناء " وينبغي استحضار هذه الترجمة وحديثها هنا. الحديث: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا فَأَدْرَكَتْهُمْ الصَّلَاةُ فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ فَلَمَّا أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ قَطُّ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا وَجُعِلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةٌ الشرح: حديث عائشة أنها استعارت من أسماء قلادة، قد تقدم شرحه مستوفى في كتاب التيمم، ووجه الاستدلال به من جهة المعنى الجامع بين القلادة وغيرها من أنواع الملبوس الذي يتزين به للزوج أعم من أن يكون عند العرس أو بعده، وقد تقدم في كتاب الهبة لعائشة حديث أخص من هذا وهو قولها " كان لي منهن - أي من الدروع القطنية - درع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كانت امرأة تقين بالمدينة - أي تتزين - إلا أرسلت إلى تستعيره " وترجم عليه " الاستعارة للعرس عند البناء " وينبغي استحضار هذه الترجمة وحديثها هنا. *3* الشرح: قوله (باب ما يقول الرجل إذا أتى أهله) أي جامع. الحديث: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَقُولُ حِينَ يَأْتِي أَهْلَهُ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا ثُمَّ قُدِّرَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ أَوْ قُضِيَ وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا الشرح: قوله (عن شيبان) هو ابن عبد الرحمن النحوي، ومنصور هو ابن المعتمر، وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق هو أولهم. قوله (أما لو أن أحدهم) كذا للكشميهني هنا، ولغيره بحذف " أن " وتقدم في بدء الخلق من رواية همام عن منصور بحذف " لو " ولفظه " أما أن أحدكم إذا أتى أهله " وفي رواية جرير عن منصور عند أبي داود وغيره " لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله " وهي مفسرة لغيرها من الروايات دالة على أن القول قبل الشروع. قوله (حين يأتي أهله) في رواية إسرائيل عن منصور عند الإسماعيلي " أما أن أحدكم لو يقول حين يجامع أهله " وهو ظاهر أن القول يكون مع الفعل، لكن يمكن حمله على المجاز، وعنده في رواية روح بن القاسم عن منصور " لو أن أحدهم إذا جامع امرأته ذكر الله". قوله (بسم الله، اللهم جنبني) في رواية روح " ذكر الله ثم قال اللهم جنبني " وفي رواية شعبة عن منصور في بدء الخلق " جنبني " بالإفراد أيضا وفي رواية همام " جنبنا". قوله (الشيطان) في حديث أبي أمامة عند الطبراني " جنبني وجنب ما رزقتني من الشيطان الرجيم". قوله (ثم قدر بينهما ولد أو قضى ولد) كذا بالشك، وزاد في رواية الكشميهني " ثم قدر بينهما في ذلك - أي الحال - ولد " وفي رواية سفيان بن عيينة عن منصور " فإن قضى الله بينهما ولدا " ومثله في رواية إسرائيل. وفي رواية شعبة " فإن كان بينهما ولد " ولمسلم من طريقه " فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك " وفي رواية جرير " ثم قدر أن يكون " والباقي مثله، ونحوه في رواية روح بن القاسم وفي رواية همام " فرزقا ولدا". قوله (لم يضره شيطان أبدا) كذا بالتنكير، ومثله في رواية جرير. وفي رواية شعبة عند مسلم وأحمد " لم يسلط عليه الشيطان أو لم يضره الشيطان " وتقدم في بدء الخلق من رواية همام وكذا في رواية سفيان بن عيينة وإسرائيل وروح بن القاسم بلفظ الشيطان " واللام للعهد المذكور في لفظ الدعاء، ولأحمد عن عبد العزيز العمي عن منصور " لم يضر ذلك الولد الشيطان أبدا " وفي مرسل الحسن عن عبد الرزاق " إذا أتى الرجل أهله فليقل بسم الله اللهم بارك لنا فيما رزقتنا ولا تجعل للشيطان نصيبا فيما رزقتنا، فكان يرجى إن حملت أن يكون ولدا صالحا " واختلف في الضرر المنفي بعد الاتفاق على ما نقل عياض على عدم الحمل على العموم في أنواع الضرر، وإن كان ظاهرا في الحمل على عموم الأحوال من صيغة النفي مع التأبيد، وكان سبب ذلك ما تقدم في بدء الخلق " إن كل بني آدم يطعن الشيطان في بطنه حين يولد إلا من استثنى " فإن في هذا الطعن نوع ضرر في الجملة، مع أن ذلك سبب صراخه. ثم اختلفوا فقيل: المعنى لم يسلط عليه من أجل بركة التسمية، بل يكون من جملة العباد الذين قيل فيهم وقال ابن دقيق العيد: يحتمل أن لا يضره في دينه أيضا، ولكن يبعده انتفاء العصمة. وتعقب بأن اختصاص من خص بالعصمة بطريق الوجوب لا بطريق الجواز، فلا مانع أن يوجد من لا يصدر منه معصية عمدا وإن لم يكن ذلك واجبا له. وقال الداودي معنى " لم يضره " أي لم يفتنه عن دينه إلى الكفر، وليس المراد عصمته منه عن المعصية، وقيل لم يضره بمشاركة أبيه في جماع أمه كما جاء عن مجاهد " أن الذي يجامع ولا يسمى يلتف الشيطان على إحليله فيجامع معه " ولعل هذا أقرب الأجوبة، ويتأيد الحمل على الأول بأن الكثير ممن يعرف هذا الفضل العظيم يذهل عنه عند إرادة المواقعة والقليل الذي قد يستحضره ويفعله لا يقع معه الحمل، فإذا كان ذلك نادرا لم يبعد. وفي الحديث من الفوائد أيضا استحباب التسمية والدعاء والمحافظة على ذلك حتى في حالة الملاذ كالوقاع، وقد ترجم عليه المصنف في كتاب الطهارة وتقدم ما فيه. وفيه الاعتصام بذكر الله ودعائه من الشيطان والتبرك باسمه والاستعاذة به من جميع الأسواء وفيه الاستشعار بأنه الميسر لذلك العمل والمعين عليه. وفيه إشارة إلى أن الشيطان ملازم لابن آدم لا ينطرد عنه إلا إذا ذكر الله. وفيه رد على منع المحدث أن يذكر الله، ويخدش فيه الرواية المتقدمة " إذا أراد أن يأتي " وهو نظير ما وقع من القول عند الخلاء، وقد ذكر المصنف ذلك وأشار إلى الرواية التي فيها " إذا أراد أن يدخل " وتقدم البحث فيه في كتاب الطهارة بما يغني عن إعادته وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ الشرح: قوله (باب الوليمة حق) هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه الطبراني من حديث وحشي بن حرب رفعه " الوليمة حق، والثانية معروف، والثالثة فخر " ولمسلم من طريق الزهري عن الأعرج وعن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال " شر الطعام طعام الوليمة يدعى الغني ويترك المسكين وهي حق " الحديث. ولأبي الشيخ والطبراني في " الأوسط " من طريق، مجاهد عن أبي هريرة رفعه " الوليمة حق وسنة، فمن دعي فلم يجب فقد عصى " الحديث، وسأذكر حديث زهير ابن عثمان في ذلك وشواهده بعد ثلاثة أبواب. وروى أحمد من حديث بريدة قال " لما خطب علي فاطمة قال رسول صلى الله عليه وسلم: أنه لا بد للعروس من وليمة " وسنده لا بأس به، قال ابن بطال قوله " الوليمة حق " أي ليست بباطل بل يندب إليها وهي سنة فضيلة، وليس المراد بالحق الوجوب. ثم قال: ولا أعلم أحدا أوجبها. كذا قال، وغفل عن رواية في مذهبه بوجوبها نقلها القرطبي وقال: إن مشهور المذهب أنها مندوبة. وابن التين عن أحمد لكن الذي في " المغني " أنها سنة، بل وافق ابن بطال في نفي الخلاف بين أهل العلم في ذلك، قال وقال بعض الشافعية: هي واجبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها عبد الرحمن بن عوف، ولأن الإجابة إليها واجبة فكانت واجبة. وأجاب بأنه طعام لسرور حادث فأشبه سائر الأطعمة، والأمر محمول على الاستحباب بدليل ما ذكرناه، ولكونه أمره بشاة وهي غير واجبة اتفاقا، وأما البناء فلا أصل له. قلت: وسأذكر مزيدا في " باب إجابة الداعي " قريبا. والبعض الذي أشار إليه من الشافعية هو وجه معروف عندهم، وقد جزم به سليم الرازي وقال: إنه ظاهر نص " الأم " ونقله عن النص أيضا الشيخ أبو إسحاق في المهذب، وهو قول أهل الظاهر كما صرح به ابن حزم، وأما سائر الدعوات غيرها فسيأتي البحث فيه بعد ثلاثة أبواب. قوله (وقال عبد الرحمن بن عوف قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: أولم ولو بشاة) هذا طرف من حديث طويل وصله المصنف في أول البيوع من حديث عبد الرحمن بن عوف نفسه، ومن حديث أنس أيضا وسأذكر شرحه مستوفى إن شاء الله تعالى في الباب الذي يليه، والمراد منه ورود صيغة الأمر بالوليمة، وأنه لو رخص في تركها لما وقع الأمر باستدراكها بعد انقضاء الدخول. وقد اختلف السلف في وقتها هل هو عند العقد أو عقبه أو عند الدخول أو عقبه أو موسع من ابتداء العقد إلى انتهاء الدخول على أقوال: قال النووي: اختلفوا فحكى عياض أن الأصح عند المالكية استحبابه بعد الدخول، وعن جماعة منهم أنه عند العقد، وعند ابن حبيب عند العقد وبعد الدخول. وقال له موضع آخر: يجوز قبل الدخول وبعده. وذكر ابن السبكي أن أباه قال: لم أر في كلام الأصحاب تعين وقتها، وأنه استنبط من قول البغوي: ضرب الدف في النكاح جائز في العقد والزفاف قبل وبعد قريبا منه، أن وقتها موسع من حين العقد، قال: والمنقول من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنها بعد الدخول كأنه يشير إلى قصة زينب بنت جحش، وقد ترجم عليه البيهقي في وقت الوليمة ا هـ، وما نفاه من تصريح الأصحاب متعقب بأن الماوردي صرح بأنها عند الدخول، وحديث أنس في هذا الباب صريح في أنها بعد الدخول لقوله فيه " أصبح عروسا بزينب فدعا القوم " واستحب بعض المالكية أن تكون عند البناء ويقع الدخول عقبها وعليه عمل الناس اليوم، ويؤيد كونها للدخول لا للإملاك أن الصحابة بعد الوليمة ترددوا هل هي زوجة أو سرية، فلو كانت الوليمة عند الإملاك لعرفوا أنها زوجة لأن السرية لا وليمة لها فدل على أنها عند الدخول أو بعده. الحديث: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ مَقْدَمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَكَانَ أُمَّهَاتِي يُوَاظِبْنَنِي عَلَى خِدْمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَدَمْتُهُ عَشْرَ سِنِينَ وَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً فَكُنْتُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِشَأْنِ الْحِجَابِ حِينَ أُنْزِلَ وَكَانَ أَوَّلَ مَا أُنْزِلَ فِي مُبْتَنَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا عَرُوسًا فَدَعَا الْقَوْمَ فَأَصَابُوا مِنْ الطَّعَامِ ثُمَّ خَرَجُوا وَبَقِيَ رَهْطٌ مِنْهُمْ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَطَالُوا الْمُكْثَ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ لِكَيْ يَخْرُجُوا فَمَشَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَشَيْتُ حَتَّى جَاءَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ ثُمَّ ظَنَّ أَنَّهُمْ خَرَجُوا فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ لَمْ يَقُومُوا فَرَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا بَلَغَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ وَظَنَّ أَنَّهُمْ خَرَجُوا فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ فَإِذَا هُمْ قَدْ خَرَجُوا فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ بِالسِّتْرِ وَأُنْزِلَ الْحِجَابُ الشرح: قوله في حديث أنس (مقدم النبي صلى الله عليه وسلم) بالنصب على الظرف أي زمان قدومه، وسيأتي في الأشربة من طريق شعيب عن الزهري عن أنس " قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر سنين، ومات وأنا ابن عشرين " وتقدم قبل بابين في الحديث المعلق عن أبي عثمان عن أنس أنه خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، ويأتي في كتاب الآداب من طريق سلام بن مسكين عن ثابت عن أنس قال " خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال لي أف قط " الحديث. ولمسلم من رواية إسحاق بن أبي طلحة عن أنس في حديث آخره " قال أنس والله لقد خدمته تسع سنين " ولا منافاة بين الروايتين، فإن مدة خدمته كانت تسع سنين وبعض أشهر فألغى الزيادة تارة وجبر الكسر أخرى. قوله (فكن أمهاتي) يعني أمه وخالته ومن في معناهما، وإن ثبت كون مليكة جدته فهي مرادة هنا لا محالة. قوله (يواظبنني) كذا للأكثر بظاء مشالة وموحدة ثم نونين من المواظبة، وللكشميهني بطاء مهملة بعدها تحتانية مهموزة بدل الموحدة من المواطأة وهي الموافقة. وفي رواية الإسماعيلي يوطنني بتشديد الطاء المهملة ونونين الأولى مشددة بغير ألف بعد الواو ولا حرف آخر بعد الطاء من التوطين، وفي لفظ له مثله لكن بهمزة ساكنة بعدها النونان من التوطئة تقول وطأته على كذا أي حرضته عليه. قوله (وكنت أعلم الناس بشأن الحجاب) تقدم البحث فيه وبسط شرحه في تفسير سورة الأحزاب *3* الشرح: قوله (باب الوليمة ولو بشاة) أي لمن كان موسرا كما سيأتي البحث فيه، وذكر المصنف في الباب خمسة أحاديث كلها عن أنس: الأول والثاني قصة عبد الرحمن بن عوف، قطعها قطعتين. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ كَمْ أَصْدَقْتَهَا قَالَ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَعَنْ حُمَيْدٍ سَمِعْتُ أَنَسًا قَالَ لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ نَزَلَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى الْأَنْصَارِ فَنَزَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَلَى سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ فَقَالَ أُقَاسِمُكَ مَالِي وَأَنْزِلُ لَكَ عَنْ إِحْدَى امْرَأَتَيَّ قَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ فَخَرَجَ إِلَى السُّوقِ فَبَاعَ وَاشْتَرَى فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ فَتَزَوَّجَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ الشرح: قوله (حدثنا علي) هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وقد صرح بتحديث حميد له وسماع حميد عن أنس فأمن تدليسهما، لكنه فرقه حديثين: فذكر في الأول سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن عن قدر الصداق، وفي الثاني أول القصة قال " لما قدموا المدينة نزل المهاجرون على الأنصار " وعبر في هذا بقوله " وعن حميد قال سمعت أنسا " وفي رواية الكشميهني أنه سمع أنسا كما قال في الذي قبله، وهذا معطوف فيما جزم به المزي وغيره على الأول، ويحتمل أن يكون معلقا والأول هو المعتمد. وقد أخرجه الإسماعيلي " عن الحسن بن سفيان عن محمد بن خلاد عن سفيان حدثنا حميد سمعت أنسا " وساق الحديثين معا، وأخرجه الحميدي في مسنده ومن طريقه أبو نعيم في " المستخرج " عن سفيان بالحديث كله مفرقا وقال في كل منهما " حدثنا حميد أنه سمع أنسا " وقد أخرجه ابن أبي عمر في مسنده عن سفيان، ومن طريقه الإسماعيلي فقال عن حميد عن أنس وساق الجميع حديثا واحدا، وقدم القصة الثانية على الأولى كما في وراية غير سفيان؛ فقد تقدم في أوائل النكاح من طريق الثوري وفي " باب الصفرة للمتزوج " من رواية مالك وفي " فضل الأنصار " من طريق إسماعيل بن جعفر، وفي أول البيوع من رواية زهير بن معاوية، ويأتي في الأدب من رواية يحيى القطان كلهم عن حميد. وأخرجه محمد بن سعد في " الطبقات " عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن حميد، وتقدم في " باب ما يدعى للمتزوج " من رواية ثابت، وفي " باب وآتوا النساء صدقاتهن " من رواية عبد العزيز بن صهيب وقتادة كلهم عن أنس، وأورده في أول كتاب البيوع من حديث عبد الرحمن بن عوف نفسه، وسأذكر ما في رواياتهم من فائدة زائدة. وتقدم في البيوع في الكلام على حديث أنس بيان من زاد في روايته فجعله من حديث أنس عن عبد الرحمن بن عوف، وأكثر الطرق تجعله من مسند أنس، والذي يظهر من مجموع الطرق أنه حضر القصة وإنما نقل عن عبد الرحمن منها ما لم يقع له عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله (لما قدموا المدينة) أي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وفي رواية ابن سعد " لما قدم عبد الرحمن ابن عوف المدينة". قوله (نزل المهاجرون على الأنصار) تقدم بيان ذلك في أول الهجرة. قوله (فنزل عبد الرحمن بن عوف على سعد بن الربيع) في رواية زهير " لما قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري " وفي رواية إسماعيل بن جعفر " قدم علينا عبد الرحمن فآخى " ونحوه في حديث عبد الرحمن بن عوف نفسه. وفي رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن حميد عند النسائي والطبراني " آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار. فآخى بين سعد وعبد الرحمن " وفي رواية إسماعيل بن جعفر " قدم علينا عبد الرحمن بن عوف فآخى " زاد زهير في روايته " وكان سعد ذا غنى " وفي رواية إسماعيل بن جعفر " لقد علمت الأنصار أني من أكثرها مالا " وكان كثير المال، وفي حديث عبد الرحمن " إني أكثر الأنصار مالا " وقد تقدمت ترجمة سعد بن الربيع في " فضائل الأنصار " وقصة موته في " غزوة أحد " ووقع عند عبد بن حميد من طريق ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان فقال عثمان لعبد الرحمن: إن لي حائطين " الحديث، وهو وهم من راويه عمارة ابن زاذان. قوله (قال أقاسمك مالي وأنزل لك عن إحدى امرأتي) في رواية ابن سعد " فانطلق به سعد إلى منزله فدعا بطعام فأكلا وقال: لي امرأتان وأنت أخي لا امرأة لك، فأنزل عن إحداهما فتتزوجها، قال: لا والله، قال: هلم إلى حديقتي أشاطركها، قال فقال: لا " وفي رواية الثوري " فعرض عليه أن يقاسمه أهله وماله " وفي رواية إسماعيل بن جعفر " ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فأطلقها، فإذا حلت تزوجها " وفي حديث عبد الرحمن بن عوف " فأقسم لك نصف مالي، وانظر أي زوجتي هويت فأنزل لك عنها فإذا حلت تزوجتها " ونحوه في رواية يحيى بن سعيد، وفي لفظ " فانظر أعجبهما إليك فسمها لي فأطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها " وفي رواية حماد بن سلمة عن ثابت عند أحمد " فقال له سعد: أي أخي، أنا أكثر أهل المدينة مالا، فانظر شطر مالي فخذه، وتحتي امرأتان فانظر أيهما أعجب إليك حتى أطلقها " ولم أقف على اسم امرأتي سعد بن الربيع إلا أن ابن سعد ذكر أنه كان له من الولد أم سعد واسمها جميلة وأمها عمرة بنت حزم، وتزوج زيد بن ثابت أم سعد فولدت له ابنه خارجة، فيؤخذ من هذا تسمية إحدى امرأتي سعد. وأخرج الطبراني في التفسير قصة مجيء امرأة سعد ابن الربيع بابنتي سعد لما استشهد فقالت " إن عمهما أخذ ميراثهما، فنزلت آية المواريث " وسماها إسماعيل القاضي في " أحكام القرآن " بسند له مرسل عمرة بنت حزم. قوله (بارك الله في أهلك ومالك) في حديث عبد الرحمن " لا حاجة لي في ذلك، هل من سوق فيه تجارة؟ قال: سوق بني قينقاع " وقد تقدم ضبط قينقاع في أول البيوع، وكذا في رواية زهير " دلوني على السوق " زاد في رواية حماد " فدلوه". قوله (فخرج إلى السوق فباع واشترى، فأصاب شيئا من أقط وسمن) في رواية حماد " فاشترى وباع فربح، فجاء بشيء من سمن وأقط " وفي رواية الثوري " دلني على السوق، فربح شيئا من أقط وسمن " وفيه حذف بينته الرواية الأخرى. وفي رواية زهير " فما رجع حتى استفضل أقطا وسمنا فأتى به أهل منزله " ونحوه ليحيى بن سعيد وكذا لأحمد عن ابن علية عن حميد. قوله (فتزوج) زاد في حديث عبد الرحمن بن عوف " ثم تابع الغدو " يعني إلى السوق في رواية زهير " فمكثنا ما شاء الله، ثم جاء وعليه وضر صفرة " ونحوه لابن عليه. وفي رواية الثوري والأنصاري " فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم " زاد ابن سعد " في سكة من سكك المدينة وعليه وضر من صفرة " وفي رواية حماد بن زيد عن ثابت " أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة " وفي رواية حماد بن سلمة " وعليه ردع زعفران " وفي رواية معمر عن ثابت عند أحمد " وعليه وضر من خلوق " وأول حديث مالك " أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صفرة " ونحوه في رواية عبد الرحمن نفسه. وفي رواية عبد العزيز بن صهيب " فرأى النبي صلى الله عليه وسلم بشاشة العرس والوضر " بفتح الواو والضاد المعجمة وآخره راء هو في الأصل الأثر، والردع بمهملات - مفتوح الأول ساكن الثاني - هو أثر الزعفران، والمراد بالصفرة سفرة الخلوق والخلوق طيب يصنع من زعفران وغيره. قوله في أول الرواية الأولى (سأل النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف وتزوج امرأة من الأنصار) هذه الجملة حالية أي سأله حين تزوج، وهذه المرأة جزم الزبير بن بكار في " كتاب النسب " أنها بنت أبي الحيسر أنس بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل، وفي ترجمة عبد الرحمن بن عوف من " طبقات ابن سعد " أنها بنت أبي الحشاش وساق نسبه، وأظنهما ثنتين، فإن في رواية الزبير قال " ولدت لعبد الرحمن القاسم وعبد الله " وفي رواية ابن سعد " ولدت له إسماعيل وعبد الله " وذكر ابن القداح في " نسب الأوس " أنها أم إياس بنت أبي الحيسر بفتح المهملتين بينهما تحتانية ساكنة وآخره راء واسمه أنس بن رافع الأوسي. وفي رواية مالك " فسأله فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار " وفي رواية زهير وابن علية وابن سعد وغيرهم " فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: مهيم "؟ ومعناه ما شأنك أو ما هذا؟ وهي كلمة استفهام مبنية على السكون، وهل هي بسيطة أو مركبة؟ قولان لأهل اللغة. وقال ابن مالك: هي اسم فعل بمعنى أخبر، ووقع في رواية للطبراني في الأوسط " فقال له مهيم؟ وكانت كلمته إذا أراد أن يسأل عن الشيء " ووقع في رواية ابن السكن " مهين " بنون آخره بدل الميم والأول هو المعروف. ووقع في رواية حماد بن زيد عن ثابت عند المصنف وكذا في رواية عبد العزيز بن صهيب عند أبي عوانة " قال ما هذا " وقال في جوابه " تزوجت امرأة من الأنصار " وللطبراني في " الأوسط " من حديث أبي هريرة بسند فيه ضعف " أن عبد الرحمن بن عوف أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خضب بالصفرة فقال: ما هذا الخضاب، أعرست؟ قال نعم " الحديث. قوله (كم أصدقتها) كذا في رواية حماد بن سلمة ومعمر عن ثابت وفي رواية الطبراني " على كم". وفي رواية الثوري وزهير " ما سقت إليها " وكذا في رواية عبد الرحمن نفسه. وفي رواية مالك " كم سقت إليها". قوله (وزن نواة) بنصب النون على تقدير فعل أي أصدقتها، ويجوز الرفع على تقدير مبتدأ أي الذي أصدقتها هو. قوله (من ذهب) كذا وقع الجزم به في رواية ابن عيينة والثوري، وكذا في رواية حماد بن سلمة عن ثابت وحميد. وفي رواية زهير وابن علية " نواة من ذهب، أو وزن نواة من ذهب " وكذا في رواية عبد الرحمن نفسه بالشك. وفي رواية شعبة عن عبد العزيز بن صهيب " على وزن نواة " وعن قتادة " على وزن نواة من ذهب " ومثل الأخير في رواية حماد بن زيد عن ثابت، وكذا أخرجه مسلم من طريق أبي عوانة عن قتادة، ولمسلم من رواية شعبة عن أبي حمزة عن أنس " على وزن نواة. قال فقال رجل من ولد عبد الرحمن: من ذهب " ورجح الداودي رواية من قال " على نواة من ذهب " واستنكر رواية من روى " وزن نواة " واستنكاره هو المنكر لأن الذين جزموا بذلك أئمة حفاظ، قال عياض لا وهم في الرواية لأنها إن كانت نواة تمر أو غيره أو كان للنواة قدر معلوم صلح أن يقال في كل ذلك وزن نواة، واختلف في المراد بقوله " نواة " فقيل المراد واحدة نوى التمر كما يوزن بنوى الخروب وأن القيمة عنها يومئذ كانت خمسة دراهم، وقيل كان قدرها يومئذ ربع دينار، ورد بأن نوى التمر يختلف في الوزن فكيف يجعل معيارا لما يوزن به؟ وقيل: لفظ النواة من ذهب عبارة عما قيمته خمسة دراهم من الورق، وجزم به الخطابي واختاره الأزهري ونقله عياض عن أكثر العلماء، ويؤيده أن في رواية للبيهقي من طريق سعيد بن بشر عن قتادة " وزن نواة من ذهب قومت خمسة دراهم " وقيل وزنها من الذهب خمسة دراهم حكاه ابن قتيبة وجزم به ابن فارس، وجعله البيضاوي الظاهر، واستبعد لأنه يستلزم أن يكون ثلاثة مثاقيل ونصفا. ووقع في رواية حجاج بن أرطاة عن قتادة عند البيهقي " قومت ثلاثة دراهم وثلثا " وإسناده ضعيف، ولكن جزم به أحمد، وقيل ثلاثة ونصف، وقيل ثلاثة وربع، وعن بعض المالكية النواة عند أهل المدينة ربع دينار، ويؤيد هذا ما وقع عند الطبراني في الأوسط في آخر حديث قال أنس جاء وزنها ربع دينار، وقد قال الشافعي: النواة ربع النش والنش نصف أوقية والأوقية أربعون درهما فيكون خمسة دراهم، وكذا قال أبو عبيد: إن عبد الرحمن بن عوف دفع خمسة دراهم، وهي تسمى نواة كما تسمى الأربعون أوقية، وبه جزم أبو عوانة وآخرون. قوله آخر الرواية الثانية (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أولم ولو بشاة) ليست " لو " هذه الامتناعية وإنما هي التي للتقليل، وزاد في رواية حماد بن زيد " فقال بارك الله لك " قبل قوله " أولم"، وكذا في رواية حماد بن سلمة عن ثابت وحميد وزاد في آخر الحديث " قال عبد الرحمن: فلقد رأيتني ولو رفعت حجرا لرجوت أن أصيب ذهبا أو فضة، فكأنه قال ذلك إشارة إلى إجابة الدعوة النبوية بأن يبارك الله له. ووقع في حديث أبي هريرة بعد قوله أعرست " قال نعم. قال: أولمت؟ قال: لا. فرمى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنواة من ذهب فقال: أولم ولو بشاة " وهذا لو صح كان فيه أن الشاة من إعانة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يعكر على من استدل به على أن الشاة أقل ما يشرع للموسر، ولكن الإسناد ضعيف كما تقدم. وفي رواية معمر عن ثابت " قال أنس: فلقد رأيته قسم لكل امرأة من نسائه بعد موته مائة ألف". قلت: مات عن أربع نسوة فيكون جميع تركته ثلاثة آلاف ألف ومائتي ألف، وهذا بالنسبة لتركة الزبير التي تقدم شرحها في فرض الخمس قليل جدا، فيحتمل أن تكون هذه دنانير وتلك دراهم لأن كثرة مال عبد الرحمن مشهورة جدا، واستدل به على توكيد أمر الوليمة وقد تقدم البحث فيه. وعلى أنها تكون بعد الدخول، ولا دلالة فيه وإنما فيه أنها تستدرك إذا فاتت بعد الدخول، وعلى أن الشاة أقل ما تجزئ عن الموسر، ولولا ثبوت أنه صلى الله عليه وسلم أولم على بعض نسائه كما سيأتي بأقل من الشاة لكان يمكن أن يستدل به على أن الشاة أقل ما تجزئ في الوليمة، ومع ذلك فلا بد من تقييده بالقادر عليها، وأيضا فيعكر على الاستدلال أنه خطاب واحد، وفيه اختلاف هل يستلزم العموم أو لا، وقد أشار إلى ذلك الشافعي فيما نقله البيهقي عنه قال: لا أعمله أمر بذلك غير عبد الرحمن، ولا أعلمه أنه صلى الله عليه وسلم ترك الوليمة فجعل ذلك مستندا في كون الوليمة ليست بحتم، ويستفاد من السياق طلب تكثير الوليمة لمن يقدر، قال عياض: وأجمعوا على أن لا حد لأكثرها، وأما أقلها فكذلك، ومهما تيسر أجزأ، والمستحب أنها على قدر حال الزوج، وقد تيسر على الموسر الشاة فما فوقها، وسيأتي البحث في تكرارها في الأيام بعد قليل. وفي الحديث أيضا منقبة لسعد بن الربيع في إيثاره على نفسه بما ذكر، ولعبد الرحمن بن عوف في تنزهه عن شيء يستلزم الحياء والمروءة اجتنابه ولو كان محتاجا إليه. وفيه استحباب المؤاخاة وحسن الإيثار من الغني للفقير حتى بإحدى زوجتيه، واستحباب رد مثل ذلك على من آثر به لما يغلب في العادة من تكلف مثل ذلك، فلو تحقق أنه لم يتكلف جاز. وفيه أن من ترك ذلك بقصد صحيح عوضه الله خيرا منه وفيه استحباب التكسب، وأن لا نقص على من يتعاطى من ذلك ما يليق بمروءة مثله، وكراهة قبول ما يتوقع منه الذل من هبة وغيرها، وأن العيش من عمل المرء بتجارة أو حرفة أولى لنزاهة الأخلاق من العيش بالهبة ونحوها. وفيه استحباب الدعاء للمتزوج، وسؤال الإمام والكبير أصحابه وأتباعه عن أحوالهم، ولا سيما إذا رأى منهم ما لم يعهد. وجواز خروج العروس وعليه أثر العرس من خلوق وغيره، واستدل به على جواز التزعفر للعروس، وخص به عموم النهي عن التزعفر للرجال كما سيأتي بيانه في كتاب اللباس، وتعقب باحتمال أن تكون تلك الصفرة كانت في ثيابه دون جسده، وهذا الجواب للمالكية على طريقتهم في جوازه في الثوب دون البدن، وقد نقل ذلك مالك عن علماء المدينة، وفيه حديث أبي موسى رفعه " لا يقبل الله صلاة رجل في جسده شيء من خلوق " أخرجه أبو داود، فإن مفهومه أن ماعدا الجسد لا يتناوله الوعيد، ومنع من ذلك أبو حنيفة والشافعي ومن تبعهما في الثوب أيضا، وتمسكوا بالأحاديث في ذلك وهي صحيحة، وفيها ما هو صريح في المدعي كما سيأتي بيانه، وعلى هذا فأجيب عن قصة عبد الرحمن بأجوبة: أحدها أن ذلك كان قبل النهي وهذا يحتاج إلى تاريخ، ويؤيده أن سياق قصة عبد الرحمن يشعر بأنها كانت في أوائل الهجرة، وأكثر من روى النهي ممن تأخرت هجرته. ثانيها أن أثر الصفرة التي كانت على عبد الرحمن تعلقت به من جهة زوجته فكان ذلك غير مقصود له، ورجحه النووي وعزاه للمحققين، وجعله البيضاوي أصلا رد إليه أحد الاحتمالين أبداهما في قوله " مهيم " فقال: معناه ما السبب في الذي أراه عليك؟ فلذلك أجاب بأنه تزوج قال ويحتمل أن يكون استفهام إنكار لما تقدم من النهي عن التضمخ بالخلوق، فأجاب بقوله تزوجت، أي فتعلق بي منها ولم أقصد إليه. ثالثها أنه كان قد احتاج إلى التطيب للدخول على أهله فلم يجد من طيب الرجال حينئذ شيئا فتطيب من طيب المرأة، وصادف أنه كان فيه صفرة فاستباح القليل منه عند عدم غيره جمعا بين الدليلين، وقد ورد الأمر في التطيب للجمعة ولو من طيب المرأة فبقي أثر ذلك عليه. رابعها كان يسيرا ولم يبق إلا أثره فلذلك لم ينكر. خامسها وبه جزم الباجي أن الذي يكره من ذلك ما كان من زعفران وغيره من أنواع الطيب، وأما ما كان ليس بطيب فهو جائز. سادسها أن النهي عن التزعفر للرجال ليس على التحريم بدلالة تقريره لعبد الرحمن بن عوف في هذا الحديث. سابعها أن العروس يستثنى من ذلك ولا سيما إذا كان شابا، ذكر ذلك أبو عبيد قال: وكانوا يرخصون للشاب في ذلك أيام عرسه، قال وقيل: كان في أول الإسلام من تزوج لبس ثوبا مصبوغا علامة لزواجه ليعان على وليمة عرسه، قال وهذا غير معروف. قلت: وفي استفهام النبي صلى الله عليه وسلم له عن ذلك دلالة على أنه لا يختص بالتزويج، لكن وقع في بعض طرقه عند أبي عوانة من طريق شعبة عن حميد بلفظ " فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فرأى علي بشاشة العرس فقال: أتزوجت؟ قلت: تزوجت امرأة من الأنصار " فقد يتمسك بهذا السياق للمدعي ولكن القصة واحدة، وفي أكثر الروايات أنه قال له " مهيم أو ما هذا " فهو المعتمد، وبشاشة العرس أثره وحسنه أو فرحه وسروره، يقال بش فلان بفلان أي أقبل عليه فرحا به ملطفا به، واستدل به على أن النكاح لا بد فيه من صداق لاستفهامه على الكمية، ولم يقل هل أصدقها أو لا؟ ويشعر ظاهره بأنه يحتاج إلى تقدير لإطلاق لفظ " كم " الموضوعة للتقدير، كذا قال بعض المالكية، وفيه نظر لاحتمال أن يكون المراد الاستخبار عن الكثرة أو القلة فيخبره بعد ذلك بما يليق بحال مثله، فلما قال له القدر لم ينكر عليه بل أقره، واستدل به على استحباب تقليل الصداق لأن عبد الرحمن بن عوف كان من مياسير الصحابة وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على إصداقه وزن نواة من ذهب، وتعقب بأن ذلك كان في أول الأمر حين قدم المدينة وإنما حصل له اليسار بعد ذلك من ملازمة التجارة حتى ظهرت منه من الإعانة في بعض الغزوات ما اشتهر، وذلك ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له كما تقدم. واستدل به على جواز المواعدة لمن يريد أن يتزوج بها إذا طلقها زوجها وأوفت العدة، لقول سعد بن الربيع " انظر أي زوجتي أعجب إليك حتى أطلقها فإذا انقضت عدتها تزوجتها " ووقع تقرير ذلك، ويعكر على هذا أنه لم ينقل أن المرأة علمت بذلك ولا سيما ولم يقع تعيينها، لكن الاطلاع على أحوالهم إذ ذاك يقتضي أنهما علمتا معا لأن ذلك كان قبل نزول آية الحجاب فكانوا يجتمعون، ولولا وثوق سعد بن الربيع من كل منهما بالرضا ما جزم بذلك. وقال ابن المنير: لا يستلزم المواعدة بين الرجلين وقوع المواعدة بين الأجنبي والمرأة، لأنها إذا منع وهي في العدة من خطبتها تصريحا ففي هذا يكون بطريق الأولى لأنها إذا طلقت دخلت العدة قطعا، قال: ولكنها وإن اطلعت على ذلك فهي بعد انقضاء عدتها بالخيار، والنهي إنما وقع عن المواعدة بين الأجنبي والمرأة أو وليها لا مع أجنبي آخر. وفيه جواز نظر الرجل إلى المرأة قبل أن يتزوجها. (تنبيه) : حقه أن يذكر في مكانه من كتاب الأدب، لكن تعجلته هنا لتكميل فوائد الحديث، وذلك أن البخاري ترجم في كتاب الأدب " باب الإخاء والحلف " ثم ساق حديث الباب من طريق يحيى بن سعيد القطان عن حميد واختصره فاقتصر منه على قوله " عن أنس قال: لما قدم علينا عبد الرحمن بن عوف فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أولم ولو بشاة " فرأى ذلك المحب الطبري فظن أنه حديث مستقل فترجم في أبواب الوليمة: ذكر الوليمة للإخاء، ثم ساق هذا الحديث بهذا اللفظ وقال: أخرجه البخاري. وكون هذا طرفا من حديث الباب لا يخفى على من له أدنى ممارسة بهذا الفن، والبخاري يصنع ذلك كثيرا، والأمر لعبد الرحمن بن عوف بالوليمة إنما كان لأجل الزواج لا لأجل الإخاء، وقد تعرض المحب لشيء من ذلك لكنه أبداه احتمالا، ولا يحتمل جريان هذا الاحتمال ممن يكون محدثا، فالله أعلم بالصواب. الحديث: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ مَا أَوْلَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ أَوْلَمَ بِشَاةٍ الشرح: حديث " ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من نسائه ما أولم على زينب " هي بنت جحش كما في الباب الذي بعده، وحماد المذكور في إسناده هو ابن زيد وهذا الذي ذكره بحسب الاتفاق لا التحديد كما سأبينه في الباب الذي بعد، وقد يؤخذ من عبارة صاحب " التنبيه " من الشافعية أن الشاة حد لأكثر الوليمة لأنه قال: وأكملها شاة، لكن نقل عياض الإجماع على أنه لا حد لأكثرها. وقال ابن أبي عصرون: أقلها للموسر شاة، وهذا موافق لحديث عبد الرحمن بن عوف الماضي وقد تقدم ما فيه. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ شُعَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا بِحَيْسٍ الشرح: قوله (حدثنا عبد الوارث) في رواية الكشميهني " عن عبد الوارث " وشعيب هو ابن الحبحاب، وقد تقدم شرح الحديث في " باب من جعل عتق الأمة صداقها " وقوله في آخره " وأولم عليها بحيس " تقدم في " باب اتخاذ السراري " من طريق حميد عن أنس " أنه أمر بالأنطاع فألقى فيها من التمر والأقط والسمن فكانت وليمته " ولا مخالفة بينهما لأن هذه من أجزاء الحيس، قال أهل اللغة: الحيس يؤخذ التمر فينزع نواه ويخلط بالأقط أو الدقيق أو السويق ا ه. ولو جعل فيه السمن لم يخرج عن كونه حيسا. الحديث: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ بَيَانٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ بَنَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ فَأَرْسَلَنِي فَدَعَوْتُ رِجَالًا إِلَى الطَّعَامِ الشرح: قوله (زهير) هو ابن معاوية الجعفي. قوله (عن بيان) هو ابن بشر الأحمسي، ووقع في رواية ابن خزيمة عن موسى بن عبد الرحمن المسروقي عن مالك بن إسماعيل شيخ البخاري فيه عن زهير " حدثنا بيان". قوله (بامرأة) يغلب على الظن أنها زينب بنت جحش لما تقدم قريبا في رواية أبي عثمان عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه يدعو رجالا إلى الطعام، ثم تبين ذلك واضحا من رواية الترمذي لهذا الحديث تاما من طريق أخرى عن بيان بن بشر فزاد بعد قوله إلى الطعام " فلما أكلوا وخرجوا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجلين جالسين " فذكر قصة نزول *3* الشرح: قوله (باب من أولم على بعض نسائه أكثر من بعض) ذكر فيه حديث أنس في زينب بنت جحش أولم عليها بشاة، وهو ظاهر فيما ترجم لما يقتضيه سياقه، وأشار ابن بطال إلى أن ذلك لم يقع قصدا لتفضيل بعض النساء على بعض بل باعتبار ما اتفق، وأنه لو وجد الشاة في كل منهن لأولم بها، لأنه كان أجود الناس، ولكن كان لا يبالغ فيما يتعلق بأمور الدنيا في التأنق، وجوز غيره أن يكون فعل ذلك لبيان الجواز. وقال الكرماني: لعل السبب في تفضيل زينب في الوليمة على غيرها كان للشكر لله على ما أنعم به عليه من تزويجه إياها بالوحي. قلت: ونفى أنس أن يكون لم يولم على غير زينب بأكثر مما أولم عليها محمول على ما انتهى إليه علمه، أو لما وقع من البركة في وليمتها حيث أشبع المسلمين خبزا ولحما من الشاة الواحدة، وإلا فالذي يظهر أنه لما أولم على ميمونة بنت الحارث لما تزوجها في عمرة القضية بمكة وطلب من أهل مكة أن يحضروا وليمتها فامتنعوا أن يكون ما أولم به عليها أكثر من شاة لوجود التوسعة عليه في تلك الحالة لأن ذلك كان بعد فتح خيبر، وقد وسع الله على المسلمين منذ فتحها عليهم. وقال ابن المنير: يؤخذ من تفضيل بعض النساء على بعض في الوليمة جواز تخصيص بعضهن دون بعض بالأتحاف والألطاف والهدايا. قلت: وقد تقدم البحث في ذلك في كتاب الهبة الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ ذُكِرَ تَزْوِيجُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ عِنْدَ أَنَسٍ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَمَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أَوْلَمَ عَلَيْهَا أَوْلَمَ بِشَاةٍ الشرح: قوله (باب من أولم على بعض نسائه أكثر من بعض) ذكر فيه حديث أنس في زينب بنت جحش أولم عليها بشاة، وهو ظاهر فيما ترجم لما يقتضيه سياقه، وأشار ابن بطال إلى أن ذلك لم يقع قصدا لتفضيل بعض النساء على بعض بل باعتبار ما اتفق، وأنه لو وجد الشاة في كل منهن لأولم بها، لأنه كان أجود الناس، ولكن كان لا يبالغ فيما يتعلق بأمور الدنيا في التأنق، وجوز غيره أن يكون فعل ذلك لبيان الجواز. وقال الكرماني: لعل السبب في تفضيل زينب في الوليمة على غيرها كان للشكر لله على ما أنعم به عليه من تزويجه إياها بالوحي. قلت: ونفى أنس أن يكون لم يولم على غير زينب بأكثر مما أولم عليها محمول على ما انتهى إليه علمه، أو لما وقع من البركة في وليمتها حيث أشبع المسلمين خبزا ولحما من الشاة الواحدة، وإلا فالذي يظهر أنه لما أولم على ميمونة بنت الحارث لما تزوجها في عمرة القضية بمكة وطلب من أهل مكة أن يحضروا وليمتها فامتنعوا أن يكون ما أولم به عليها أكثر من شاة لوجود التوسعة عليه في تلك الحالة لأن ذلك كان بعد فتح خيبر، وقد وسع الله على المسلمين منذ فتحها عليهم. وقال ابن المنير: يؤخذ من تفضيل بعض النساء على بعض في الوليمة جواز تخصيص بعضهن دون بعض بالأتحاف والألطاف والهدايا. قلت: وقد تقدم البحث في ذلك في كتاب الهبة *3* الشرح: قوله (باب من أولم بأقل من شاة) هذه الترجمة وإن كان حكمها مستفادا من التي قبلها، لكن الذي وقع في هذه بالتنصيص. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ عَنْ أُمِّهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ أَوْلَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ الشرح: قوله (حدثنا محمد بن يوسف) هو الفريابي كما جزم به الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما ومن تبعهما، وسفيان هو الثوري لما سيأتي من كلام أهل النقد، وجوز الكرماني أن يكون سفيان هو ابن عيينة ومحمد ابن يوسف هو البيكندي، وأيد ذلك أن السفيانين رويا عن منصور بن عبد الرحمن، والمجزوم به عندنا أنه الفريابي عن الثوري. قال البرقاني: روى هذا الحديث عبد الرحمن بن مهدي ووكيع والفريابي وروح بن عبادة عن الثوري فجعلوه من رواية صفية بنت شيبة، ورواه أبو أحمد الزبيري ومؤمل بن إسماعيل ويحيى بن اليمان عن الثوري فقالوا فيه عن صفية بنت شيبة عن عائشة، قال: والأول أصح، وصفية ليست بصحابية وحديثها مرسل، قال: وقد نصر النسائي قول من لم يقل عن عائشة، وأورده عن بندار عن ابن مهدي وقال إنه مرسل ا هـ. ورواية وكيع أخرجها ابن أبي شيبة في مصنفه عنه، وأصلح في بعض النسخ بذكر عائشة، وهو وهم من فاعله. وأخرجه الإسماعيلي من رواية يزيد بن أبي حكيم العدني، وأخرجه إسماعيل القاضي في " كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " عن محمد بن كثير العبدي كلاهما عن الثوري كما قال الفريابي، وأخرجه الإسماعيلي أيضا من رواية يحيى ابن زكريا بن أبي زائدة عن الثوري بذكر عائشة فيه، وزعم ابن المواق أن النسائي أخرجه من رواية يحيى بن آدم عن الثوري وقال: ليس هو بدون الفريابي، كذا قال، ولم يخرجه النسائي إلا من رواية يحيى بن اليمان وهو ضعيف، وكذلك مؤمل ابن إسماعيل في حديثه عن الثوري ضعف، وأقوى من زاد فيه عائشة أبو أحمد الزبيري أخرجه أحمد في مسنده عنه ويحيى بن أبي زائدة، والذين لم يذكروا فيه عائشة أكثر عددا وأحفظ وأعرف بحديث الثوري ممن زاد، فالذي يظهر على قواعد المحدثين أنه من المزيد في متصل الأسانيد، وذكر الإسماعيلي أن عمر بن محمد بن الحسن بن التل رواه عن أبيه عن الثوري فقال فيه " عن منصور بن صفية عن صفية بنت حيي " قال وهو غلط لا شك فيه، ويحتمل أن يكون مراد بعض من أطلق أنه مرسل يعني من مراسيل الصحابة، لأن صفية بنت شيبة ما حضرت قصة زواج المرأة المذكورة في الحديث لأنها كانت بمكة طفلة أو لم تولد بعد؛ وتزويج المرأة كان بالمدينة كما سيأتي بيانه، وأما جزم البرقاني بأنه إذا كان بدون ذكر عائشة يكون مرسلا فسبقه إلى ذلك النسائي ثم الدار قطني فقال هذا من الأحاديث التي تعد فيما أخرج البخاري من المراسيل وكذا جزم ابن سعد وابن حبان بأن صفية بنت شيبة تابعية، لكن ذكر المزي في " الأطراف " أن البخاري أخرج في كتاب الحج عقب حديث أبي هريرة وابن عباس في تحريم مكة قال " وقال أبان بن صالح عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم " مثله، قال: ووصله ابن ماجه من هذا الوجه. قلت: وكذا وصله البخاري في التاريخ. ثم قال المزي: لو صح هذا لكان صريحا في صحبتها، لكن أبان بن صالح ضعيف، كذا أطلق هنا ولم ينقل في ترجمة أبان بن صالح في التهذيب تضعيفه عن أحد، بل نقل توثيقه عن يحيى بن معين وأبي حاتم وأبي زرعة وغيرهم. وقال الذهبي في " مختصر التهذيب ": ما رأيت أحدا ضعف أبان بن صالح، وكأنه لم يقف على قول ابن عبد البر في " التمهيد " لما ذكر حديث جابر في استقبال قاضي الحاجة القبلة من رواية أبان بن صالح المذكور: هذا ليس صحيحا لأن أبان بن صالح ضعيف، كذا قال وكأنه التبس عليه بأبان بن أبي عياش البصري صاحب أنس فإنه ضعيف باتفاق، وهو أشهر وأكثر حديثا ورواة من أبان بن صالح؛ ولهذا لما ذكر ابن حزم الحديث المذكور عن جابر قال: أبان بن صالح ليس بالمشهور. قلت: ولكن يكفي توثيق ابن معين ومن ذكر له، وقد روى عنه أيضا ابن جريج وأسامة بن زيد الليثي وغيرهما، وأشهر من روى عنه محمد بن إسحاق. وقد ذكر المزي أيضا حديث صفية بنت شيبة قالت " طاف النبي صلى الله عليه وسلم على بعير يستلم الحجر بمحجن وأنا أنظر إليه " أخرجه أبو داود وابن ماجه، قال المزي: هذا يضعف قول من أنكر أن يكون لها رؤية، فإن إسناده حسن. قلت: وإذا ثبتت رؤيتها له صلى الله عليه وسلم وضبطت ذلك فما المانع أن تسمع خطبته ولو كانت صغيرة. قوله (عن منصور بن صفية) هي أمه واسم أبيه عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث بن طلحة بن أبي طلحة القرشي العبدري الحجبي، قتل جده الأعلى الحارث يوم أحد كافرا وكذا أبوه طلحة بن أبي طلحة، ولجده الأدنى طلحة بن الحارث رؤية، وقد أغفل ذكره من صنف في الصحابة وهو وارد عليهم، ووقع في " رجال البخاري للكلاباذي " أنه منصور بن عبد الرحمن بن طلحة بن عمر بن عبد الرحمن التيمي، ووهم في ذلك كما نبه عليه الرضى الشاطبي فيما قرأت بخطه. قوله (أولم النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه) لم أقف على تعيين اسمها صريحا، وأقرب ما يفسر به أم سلمة، فقد أخرج ابن سعد عن شيخه الواقدي بسند له إلى أم سلمة قالت " لما خطبني النبي صلى الله عليه وسلم - فذكر قصة تزويجه بها - فأدخلني بيت زينت بنت خزيمة، فإذا جرة فيها شيء من شعير، فأخذته فطحنته ثم عصدته في البرمة وأخذت شيئا من إهالة فأدمته فكان ذلك طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم " وأخرج ابن سعد أيضا وأحمد بإسناد صحيح إلى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث أن أم سلمة أخبرته فذكر قصة خطبتها وتزويجها وفيه قالت " فأخذت ثفالي وأخرجت حبات من شعير كانت في جرتي وأخرجت شحما فعصدته له ثم بات ثم أصبح " الحديث، وأخرجه النسائي أيضا لكن لم يذكر المقصود هنا وأصله في مسلم من وجه آخر بدونه، وأما ما أخرجه الطبراني في " الأوسط " من طريق شريك عن حميد عن أنس قال " أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة بتمر وسمن " فهو وهم من شريك لأنه كان سيء الحفظ، أو من الراوي عنه وهو جندل بن والق فإن مسلما والبزار ضعفاه وقواه أبو حاتم الرازي والبستي، وإنما هو المحفوظ من حديث حميد عن أنس أن ذلك قصة صفية كذلك أخرجه النسائي من رواية سليمان بن بلال وغيره عن حميد عن أنس مختصرا، وقد تقدم مطولا في أوائل النكاح للبخاري من وجه آخر عن حميد عن أنس. وأخرج أصحاب السنن من رواية الزهري عن أنس نحوه في قصة صفية ويحتمل أن يكون المراد بنسائه ما هو أعم من أزواجه، أي من ينسب إليه من النساء في الجملة، فقد أخرج الطبراني من حديث أسماء بنت عميس قالت " لقد أولم علي بفاطمة فما كانت وليمة في ذلك الزمان أفضل من وليمته، رهن درعه عند يهودي بشطر شعير " ولا شك أن المدين نصف الصاع؛ فكأنه قال: شطر صاع، فينطبق على القصة التي في الباب، وتكون نسبه الوليمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مجازية إما لكونه الذي وفى اليهودي ثمن شعيره أو لغير ذلك. قوله (بمدين من شعير) كذا وقع في رواية كل من رواه عن الثوري فيما وقفت عليه ممن قدمت ذكره، إلا عبد الرحمن بن مهدي فوقع في روايته " بصاعين من شعير " أخرجه النسائي والإسماعيلي من روايته، وهو وإن كان أحفظ من رواه عن الثوري لكن العدد الكثير أولى بالضبط من الواحد كما قال الشافعي في غير هذا، والله أعلم
|